هل النساء أكثر حاجة للرعاية النفسية؟ وهل هن أكثر شجاعة وقدرة علي التعبير عن معاناتها النفسية؟..أم هن أكثر قدرة علي التكيف مع الظروف الصعبة وأكثر مرونة وقبولا للتغيير وبالتالي أكثر ملاءمة للعلاج النفسي؟
د.محمد المهدي رئيس قسم الطب النفسي بكلية طب دمياط جامعة الأزهر يؤكد أن الرأي القائل بأن النساء أكثر عرضة للمرض النفسي ليس صحيحا في المطلق ولكنه صحيح في كثير من الحالات، فقد ثبت أنها تكون أقل عرضة للإضطرابات النفسية ذات الصلة بالنمو العصبي قبل المراهقة، ولكننا إذا تتبعنها في مراحل نموها نجدها تمثل غالبية المرضي النفسيين من حيث إحتياجهن للرعاية النفسية أو إحتياجهن للعلاج بالأدوية النفسية، وقد أوضحت معظم الدراسات المجتمعية إزدياد نسبة الإضطرابات النفسية خاصة البسطاء منهن، كما أن هناك بعض الإضطرابات التي تكاد تكون أكثر التصاقا بالنساء مثل اضطرابات الأكل -فقدان الشهية العصبي والبوليميا- كما يبدو أن إرتباط المرأة بالإكتئاب هو الأكثر وضوحا، فنسبة الإكتئاب في النساء ضعف النسبة في الرجال، ويحدث هذا الإرتفاع في الاصابة بين النساء المتزوجات ما بين25 إلي45 عاما واللاتي لديهن أطفال مما يرجح أن يكون للعوامل الإجتماعية دور مهم في إحداث هذا الإكتئاب، ولا يتوقف الأمر عند الإصابة به فقط بل ان كون المريضة إمرأة يمثل عامل خطورة في تحويل الاكتئاب إلي حالة مزمنة.
وهناك خلاف حول مدي إرتباط إنقطاع الدورة -وما يسمي بسن اليأس- بالإضطرابات النفسية، إلا أن هناك دراسات حديثه أثبتت أن هناك زيادة في الأعراض النفسية -التي لا ترتقي بالضرورة لدرجة الاضطرابات- في الفترة التي تسبق إنقطاع الدورة وبعد العمليات الجراحية التي يستأصل فيها الرحم والمبيض، ورغم أن العلاج بالهرمونات يحسن الحالة الجسمية إلا أن تأثيره علي الحالة النفسية ضئيل.
وبالرغم من كل ما سبق توضيحه تبقي إضافة من المهم الإشارة إليها وهي أنه إذا كانت المرأة سيئة الحظ مع الإكتئاب فإنها تبدو أحسن حظا مع الفصام -الشيزوفرينيا- حيث وجد أنها أقل إصابة بهذا المرض من الرجل، كما أن طبيعة المرض لديها تكون أقل حدة وإستجابتها للعلاج تكون أفضل وهذا يرجع لإختلافات جينية.
ويضيف د.المهدي أن الكارثة الأكبر تقع حين تصاب الأم بمرض نفسي، فهنا يهتز المركز ويصبح البنيان الأسري بأكمله معرض للتأثر، فكيف نتخيل حال الأسرة وقد أصيبت الأم بالفصام -الشيزوفرينيا- وإختل حكمها علي الأمور؟ وكيف لها -في هذه الحالة- أن ترعي أطفالها وتلبي إحتياجات زوجها؟.. وكيف الحال وقد أصيبت بالإكتئاب الذي يجعلها عاجزة عن فعل أي شئ لنفسها فضلا عن غيرها وكارهة لكل شئ حتي نفسها وأطفالها وزوجها بعد أن كانت هي منبع الحب والحنان؟.. ولذلك فإصابة الأم بالمرض النفسي يعتبر بكل المقاييس كارثة متعددة الأبعاد تستدعي رعايتها في المقام الأول.
وأشار أستاذ الطب النفسي من جهة أخري إلي النقص الواضح في الدراسات والأبحاث الميدانية المحلية الخاصة بمشكلات المرأة النفسية، وأن معظم الجهود العلاجية في مصر والوطن العربي تستند إلي نتائج دراسات غربية تختلف كثيرا في الظروف ونمط الحياة في البلدان العربية، فمثلا لا توجد دراسات كافية عن إضطرابات ما قبل الدورة ونسبتها وتأثيرها أو الإضطرابات النفسية المصاحبة للحمل أو إضطرابات ما بعد الولادة وما بعد إنقطاع الدورة الشهرية.
وعلي الرغم من أن المرأة أكثر قبولا لفكرة المرض النفسي وطلبا للمساعدة ومرونة وإستفادة من العلاج، إلا أن هناك عوائق كثيرة تعوق ذلك، فهي تحتاج لإذن من زوجها أو من أقاربها لكي تذهب للعلاج، ونظرة الأهل لها علي أنها وصمة أو ضعف إيمان أو ضعف شخصية، خاصة أن تلك الإضطرابات تكون في أغلبها ذاتية تشعر بها المريضة في داخلها ولا يظهر لها علامات عضوية تقنع الأهل بضرورة العلاج، أما في حالة قدرتها في الحصول علي الموافقة بالعلاج فإنها لا تستطيع إكماله حتي نهايته لأسباب إجتماعية ومادية، كما تظهر لدي النساء أعراض جسمانية مما يجعلها تتخبط في زيارات كثيرة للأطباء في تخصصات أخري ظنا منها أنها تعاني من إضطرابات جسمانية وليست نفسية، وأيضا نقص المهارات لدي بعض الأطباء في التعرف علي الأعراض النفسية التي تظهر في صورة جسمانية وذلك بسبب النقص في تدريس مادة الطب النفسي ضمن مناهج التدريس في كلية الطب، كما يوجد بعض الإعتبارات الإجتماعية تجاه الإضطرابات النفسية مثل الهوس والفصام، ومحاولات الأسرة التستر علي المريضة حتي لا يؤثر ذلك علي سمعتها وسمعة أسرتها.
الكاتب: ريهام محمود عبد السميع.
المصدر: جريدة الأهرام المصرية.